قانون المياه الجديد… ثورة بيئية وتشريعية بوجه الملوثين!
أقرّ مجلس النواب في أواخر أيلول الماضي اقتراح قانون يرمي إلى تعديل قانون المياه رقم 77، وصدر بعدها عن رئيس الجمهورية بتاريخ 16 تشرين الأوّل الجاري تحت الرقم 192، وهو القانون الذي أقر بعد نضال إداري وبيئي وتشريعي في جلسات اللّجنة الفرعية واللّجان المشتركة، ما يشكل دعوة صريحة لمقاربة الواقع وفق رؤى واضحة في سياق إعداد وتبني سياسات مائية مستشرفة لحاضر ومستقبل.
وتتمثل أهمية هذا القانون في تنظيم وإدارة الموارد المائية، خصوصا وأنه نصّ على تقسيم لبنان إلى أحواض ومناطق مائية أو إدارية، ليتم بعدها تقييم هذه الموارد لكلّ منها، ومن ثم التخطيط لتنميتها واستخدامها كوحدات قائمة، وتاليا تنظيمها على أساس مبدأ تكامل إدارة الموارد المائية بما يتفق مع توجهات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والمحافظة على البيئة، فضلاً عن أن اقتراح القانون شدّد على ضرورة إعداد المخطط التوجيهي العام للمياه ومخططات الأحواض.
المخطط التوجيهي العام
بدايةً، لا بد من الإشارة إلى أنّه بالنسبة إلى المخطط التوجيهي العام للمياه، تضع وزارة الطاقة والمياه بالتعاون مع المؤسسات العامة الإستثمارية للمياه هذا المخطط بالتنسيق مع وزارات (البيئة، الزراعة، الأشغال العامة والنقل والصناعة)، وتتم الموافقة عليه بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير.
وكما بات معلومًا، أصبح لزاماً على الإدارة المعنية، عند تطبيق المخطط التوجيهي العام للمياه، مراعاة كافة الخطط والبرامج ومخططات الأحواض والتراخيص والتصاريح الممنوحة والترتيب العمراني، بالاستناد أيضا إلى النسب السكانية في المناطق ووضعية المؤسسات المُصنّفة. وبصورة عامة مراعاة سائر القرارات الإدارية السابقة المتعلّقة بالمياه، على أن يخضع المخطط لتقييم وإعادة نظر مرّة كل خمس سنوات، وكلّما اقتضت الحاجة.
مخططات الأحواض
لم يغفل القانون حسن إدارة مخططات الأحواض، وهذا ما تم التشديد عليه خلال المناقشات في اللّجان النيابية المعنية، لجهة أن تعمل وزارة الطاقة والمياه على إعداد مخططات للأحواض المائية الرئيسية والفرعية، لا سيّما في المناطق التي تعاني من تدنٍ في مواردها المائية أو من تلوثٍ في النظم البيئية المائية فيها، على أن يصارَ إلى تحديد نطاق مخططات الأحواض بالتنسيق مع المؤسسات العامة الاستثمارية للمياه.
وفي السياق عينه، تلحظ مخططات الأحواض جملة من الأمور، أهمها: الأهداف، النوعية، الكمّية والمهل المُفترضة لتحقيقها، تقييم الموارد المائية في الحوض المائي كمّاً ونوعاً، وكذلك تقييم الأثر البيئي وإجراءات مراقبة تفريغ النفايات، فضلا عن أولوية تخصيص التوزيع العادل للمياه ومعالجة وإعادة استخدام المياه وإجراءات الضبط والمراقبة التي تضمن الاستخدام العادل والمتكافئ للمياه.
وتالياً، ثمّة ما هو متعلّق بكيفية توزيع المياه بين مختلف فئات المنتفعين، ومصادر المياه غير التقليدية، وشروط إدارة المورد خلال الأزمات، كالتلوّث ونقص المياه والفيضانات والحرائق، إضافة إلى الوسائل الواجب اتخاذها للتوصل للأهداف المحدّدة، ومن ثم المؤشرات التي تتيح متابعة الأعمال المُنجزة وتقييم الإجراءات والبرامج والإلتزامات المأخوذ بها بالنسبة للأهداف.
حماية الموارد المائية
وفي موضوع حماية الموارد المائية، جاء اقتراح القانون واضحاً وصريحاً، لجهة أن تتولى وزارة الطاقة والمياه والمؤسسات العامة الاستثمارية للمياه كلٌ ضمن نطاقها واختصاصها، حماية الموارد المائية من التلوث، ومراقبة معايير الانبعاثات ومصادر التلوث ووضع أصول وإجراءات تحقيق المراقبة على التجهيزات التابعة للمنشآت المائية، ومنع الأنشطة التي قد تؤدي إلى تلوث أو تدهور نوعية المياه، ومكافحة حالات التلوث الطارئ.
ويعود لكل من وزارة الطاقة والمياه والمؤسسات العامة الاستثمارية للمياه المختصة أن تتخذ بحق مسبّب الضرر كل أو بعض التدابير الإدارية، ومنها: منع أي نشاط يسبّب أخطارًا جسيمة للنظم البيئية المائية أو منع متابعة تنفيذ هذا النشاط، تنفيذ أعمال الإصلاح كإزالة التلوث وصيانة الأماكن على نفقة مسبّب الضرر، فرض الإلزامات الإدارية والفنية والغرامات، خصوصًا وأن كل تدبير يهدف للوقاية أو الحدّ من كل ضرر يصيب النظم البيئية المائية.
وما يعتبر حاجة ملحة لحظه القانون، حيث يخضع لنظام المراقبة سائر التجهيزات والمنشآت والأشغال والأعمال التي ينجزها أي شخص طبيعي أو معنوي، تابعاً لأي من القطاعين العام أو الخاص، والتي تؤدي إلى: استخراج المياه السطحية أو الجوفية أو المتفجرة أو الساحلية وإعادتها أو عدمه إلى مصدرها، تعديل في مستوى أو في أسلوب انسياب المياه، تفريغ أو انسياب أو طرح أو ترسيب مباشر أو غير مباشر مزمن أو ظرفي يؤدي إلى التأثير على المياه أو على النظم البيئية المائية، وإن لم يؤدِ إلى إحداث تلوث في النظام البيئي المائي.
استخراج المياه الجوفية
وفي السياق عينه توقف اقتراح القانون عند استخراج المياه الجوفية، وتنظيف مجاري المياه المؤقتة أو الدائمة أو تعميقها أو تقويمها أو تنظيمها، مُلزماً أصحاب المؤسسات الصناعية والمصنّفة، وأصحاب المنشآت الصناعية والتجارية والزراعية والصحية، وسائر منْ يزاولون أي من الأنشطة التي ينتج عنها نفايات، التقيّد بأحكام هذا القانون لجهة الإمتناع عن تصريف أو تفريغ أو تحويل أو تسريب النفايات بكافة أنواعها الناجمة عن أنشطتها في مجاري الأنهر والأوساط المائية السطحية والجوفية، إلا بعد معالجتها وفقاً للأصول المنصوص عنها في القوانين النافذة تحت طائلة سحب التراخيص الممنوحة لهم.
ولحظ القانون كذلك تنظيم أحكام البدلات واستحداث بدلات متعلقة بالمحافظة على موارد المياه وحماية النظم المائية، خصوصاً وأن القانون الجديد أجاز أن تتضمن بدلات الخدمات العامة للمياه المؤسسات العامة الاستثمارية للمياه حيث يمكن أن تتضمن البدلات: بدلات خدمات مياه الشفة، بدلات خدمات الصرف الصحي، بدلات خدمات الريّ، بدلات المحافظة على المورد المائي وحماية النظم المائية، البدلات الناتجة عن التلوث بدلات الإستثمار السياحي والصناعي والصيد وتربية الأسماك وتوليد الطاقة.
بدلات تعويض التلوث
ومن ثم هناك البدلات المتعلقة بالمحافظة على موارد المياه وحماية النظم المائية، فقد لفت القانون إلى أنه عند الحاجة، وبهدف المحافظة على مورد المياه وحماية النظم المائية، يمكن للمؤسسات العامة الاستثمارية للمياه أن تفرض على الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين المنتفعين من المياه بدلاً يرتكز على قاعدة المساحة المروية أو عدد الأمتار المكعبة المسحوبة أو المستهلكة أو المخصصة للتوريد، على أن يستخدم هذا البدل لتمويل أعمال المحافظة على مورد المياه وحماية النظم البيئية المائية ذات الصلة.
وبالتوازي، يؤخذ بعين الاعتبار عند تحديد الأشخاص المكلفين والنشاطات المعنية وقيمة البدلات، الأهمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية لهذه النشاطات والإيرادات والأرباح من أي نوع كانت، وتحصّل المؤسسات العامة الاستثمارية للمياه بدلات المحافظة على المورد وحماية النظم المائية أياً كان المنتفع.
ومن هذه البدلات: بدل تعويض عن التلوث، إذ يخضع الأشخاص الطبيعيون والمعنويون الذين تؤدي طبيعة نشاطاتهم إلى تلويث النُظم البيئية والمائية على وجهٍ غير قابل للتخفيف والمعالجة المُسبقة، والتي لا تتجاوز نسبة تلوثها المعايير المقبولة وطنياً وعالمياً، إلى بدل تعويض يتم تحديده بمرسوم بناءً على اقتراح الوزير، على أن يكون بدل التعويض متناسباً مع خطورة التلوث وحجم الضرر اللاحق بالبيئة المائية، فيما يمكن تخفيض بدل التعويض في ضوء التدابير التي يتخذها المُسبّب بالضرر لمعالجته.
هذا مع العلم أن تسديد بدلات تعويض التلوث لا يشكل عائقاً دون نشوء المسؤولية الجزائية والمدنية على الملوّث في الحالة التي تكون فيها أفعاله مصدراً للضرر أو تشكل جرماً جزائياً. على الإدارات المعنية اتخاذ التدابير التي تؤدي إلى تأمين المحافظة على البيئة المائية.
مشاريع الريّ
وفي إصلاح إدارة المرفق العام للرّي، لحظ القانون ضرورة أن تتضمن طلبات الاشتراك بمياه الريّ بنود تحدّد نطاق التغذية، المساحة المروية، أنواع المزروعات، رزنامة الريّ، الكميات المطلوبة وطريقة الريّ، منوهاً إلى أن على المؤسسات المكلفة بالري أن تمسك سجلاً يبيّن أسماء المستفيدين والمساحات المروية والزراعات المعتمدة والكميات المسحوبة، يجري تحديثه بشكل مستمر، شريطة ألا تُسجّل أي معاملة تتعلق بحقٍ عيني على العقار المشترك بمياه الريّ في السجل العقاري، إلا بعد إبراز صاحب العقار إفادة برءاة ذمة صادرة عن المؤسسة تفيد بقيام المشترك بدفع جميع الرسوم والبدلات والغرامات المتوجبة عليه.
وتالياً، يكون لأنظمة إدارة واستثمار مشاريع الريّ وتعديلاتها صفة الإلزام في تنظيم العلاقة بين المستفيدين والمؤسسة العامة الاستثمارية للمياه.
حماية الأملاك العمومية للمياه
وتوقف اقتراح القانون عند الواجبات العامة للدولة والمتعاقدين معها، خصوصاً لجهة أن تتولى الإدارات العامة المعنية حماية المرفق العام للمياه، إذ يمكن تأمين الأعمال والعمليات المتعلقة به بموجب اتفاقيات أو عقود، وعلى الإدارات العامة المعنية والمتعاقدين معها والمنتفعين من الحقوق على المرفق العام للمياه أن يؤمنوا صيانة الوسط المائي وحماية الثروة النباتية والحيوانية والسمكية الوطنية، بما يكفل تأمين الانسياب الحرّ للمياه والحدّ من تلوثها وحماية المنشآت المرتبطة بها.
وتالياً، هناك واجبات مالكي العقارات المجاورة لضفاف الأنهر، وهنا، يتوجب على مالك العقار المجاور لضفة النهر تأمين حُسن الاعتناء بالضفاف والمحافظة على الحياة النباتية والحيوانية ضمن احترام توازن النظم البيئية المائية.
أما في العقوبات والإجراءات والتدابير الإدارية والقضائية والنفاذ المعجل للأحكام ومنح موظفي وزارة الطاقة والمياه والمؤسسات العامة الاستثمارية للمياه، صلاحيات الضابطة العدلية، وفي المخالفات، كان القانون صريحاً لجهة المعاقبة بالحبس من يوم واحد إلى 10 أيام، وبغرامة تتراوح بين مرة ونصف الحدّ الأدنى للأجور و22 ضعف الحدّ الأدنى للأجور أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام بسحب المياه مخالفاً بفعله هذا موجب الإستحصال على الترخيص المنصوص عنه بموجب أحكام هذا القانون.
وكذلك، تطبق العقوبات نفسها على كل من أنشأ أو عدّل أو استثمر منشأة أو قام بأعمال أو نشاطات ضمنها دون الإستحصال على ترخيص بالأعمال، فيما يُعاقب بغرامة تتراوح بين مرة ونصف الحدّ الأدنى للأجور و15 ضعف الحدّ الأدنى للأجور كل من أقام منشأة أو تجهيزات أو قام بأشغال أو مارس نشاطاً دون التقيّد بالشروط المحددة في وثيقة الترخيص.
الجنح المشدّدة
وفي السياق عينه أيضا، يعاقب بالحبس من عشرة أيام إلى ثلاث سنوات، وبغرامة تتراوح بين 4 أضعاف الحدّ الأدنى للأجور و220 ضعف الحدّ الأدنى للأجور أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أقدم عن قصد أو عن غير قصد، على إلقاء أو تسييل أو رمي أو سكب مادة أو مواد تضر بالمياه السطحية أو الجوفية أو بمياه البحر، أو على رمي وتفريغ أو ترك نفايات مهما كانت طبيعتها في المياه السطحية أو الجوفية أو في مياه البحر ضمن حدود المياه الإقليمية للدولة اللبنانية.
وتُطبق هذه العقوبات في حال ارتكاب هذه الأفعال على ضفاف الأنهر أو على شاطىء البحر، فضلا عن أن العقوبات المنصوص عنها أعلاه تُشدّد في حال كانت هذه الأفعال تلحق ضرراً بالصحة العامة أو بالثروة النباتية والسمكية والحيوانية، أو تؤدي إلى تعديلات جدية بنظام التغذية العادي بالماء، أو إلى تقييد لاستخدام مناطق السباحة.
وفي الجنح المشدّدة، يُعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة تتراوح بين 7 أضعاف الحدّ الأدنى للأجور و300 ضعف الحدّ الأدنى للأجور أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استثمر منشأة أو تجهيزات أو قام بأشغال أو مارس نشاطاً خلافاً لتدبير يتناول حظراً أو تعليقاً أو إتلافاً قضت به المحكمة تطبيقاً لهذا القانون، وفي حال التكرار، تضاعف العقوبات المتعلقة بالجرائم المنصوص عنها في هذا القانون.
الجرائم وأصول الملاحقة
في التحقق من الجرائم وأصول الملاحقة ومنح موظفي وزارة الطاقة والمياه والمؤسسات العامة الاستثمارية للمياه، كلٌ ضمن نطاقها، صلاحيات الضابطة العدلية، إذ يمنح موظفو وزارة الطاقة والمياه والمؤسسات العامة الاستثمارية للمياه، كلٌ ضمن نطاقها، صلاحيات الضابطة العدلية في مـا يتعلق بضبط الجرائم الناشئة عن تطبيق هذا القانون ولهذه الغاية يمكن لهؤلاء: الدخول إلى محيط وأبنية التجهيزات والمنشآت والاستثمارات والمؤسسات المشكوك فيها، الكشف على كل التجهيزات أو المنشآت والآلات والمستودعات، الحصول على كل الوثائق والمعلومات المتعلقة بالتجهيزات والنشاطات ذات الصلة وأخذ العينات واتخاذ التدابير الحمائية الضرورية.
كما يكون لهؤلاء عند الحاجة وبغية أداء مهامهم، حق الإستعانة ضمن الأصول، بالقوى الأمنية وذلك تحت إشراف النيابة العامة المختصة.
توازياً، يجوز إحالة محاضر الجرائم المحرّرة من موظفي وزارة الطاقة والمياه والمؤسسات العامة الاستثمارية للمياه، فوراً إلى القاضي المنفرد الجزائي المختص الذي يضع يده على الدعوى العامة بموجبها للحكم وفق الأصول العادية. وللقاضي عند الإحالة أن يتخذ أحد أو بعض التدابير الجزائية ادناه.
التدابير الجزائية الإلزامية
وبالإضافة إلى العقوبات الجزائية والغرامات المحكوم بها، على المحكمة في حال تبيّن أن الضرر الناتج عن الأفعال والجرائم المرتكبة يؤدي إلى الإضرار بصحة الإنسان أو النظم البيئية المائية أو الإضرار بالمياه كمّاً أو نوعاً، أن تحكم بـتعليق العمليات أو النشاطات أو الأشغال، توقيف العمليات أو منع استخدام التجهيزات أو المنشآت، إزالة التجهيزات أو المنشآت أو مصادرتها، فرض إعادة تأهيل الوسط المائي أو النظام البيئي، واتخاذ التدابير كافة الرامية إلى إزالة الضرر ومنع تفاقمه.
في التنفيذ المعجل أكد اقراح القانون أن الاستئناف لا يوقف تنفيذ الحكم المستأنف، ويجوز تنفيذ الحكم البدائي قبل إنقضاء مهلة الإستئناف وقبل البتّ فيه عند استئنافه، ما لم تقرّر المحكمة، خلال مهلة عشرة ايام من تاريخ الإستئناف غير ذلك، بموجب قرار معلّل تعليلاً وافياً تبين فيه الأسباب الواقعية والقانونية التي اعتمدتها لإصدار قرارها.
فاديا جمعة